السلام عليكم ورحمة الله وبركآته
إبراهيم عليه السلام بني كريم هو رمز عظيم من رموز التضحية في تاريخ الدين
وفي تاريخ البشر أجمعين ؛
ذلكم هو الخليل إبراهيم عليه الصلوات والتسليم ؛
فحياة هذا النبي الكريم تضحية متصلة مذ كان فتى يحطم الأصنام
، لا من أجل تحطيمها ولكن من أجل تحريك العقول وتفهيمها ؛ لأنه إن فهم العقل وتحرك الفكر تكسّر الصنم
، لا من الخارج وإنما من الداخل وهذا الأهم والأجل .
أقول بدأت سلسلة التضحيات منذ تلك السنوات المبكرة من حياة هذا النبي
، حيث ألقي في نار هائلة سمّـاها أهلها ( الجحيم ) :
﴿ قالوا ابنوا له بنياناً فألقوه في الجحيم ﴾ ،
وتستمر التضحية بهجرة الوطن في سبيل العقيدة والدين ،
وهي تضحية من أجلّ التضحيات ولا يعلم قيمتها إلا من ذاق مثل مرارتها ﴿ وقال إني مهاجر إلى ربــي ﴾
، وتأمل وتذوّق ( مهاجر إلى ربي ) ، ثم كانت تضحية جليلة أخرى : أن يهاجر بامرأته ورضيعها ليسكنهما
﴿ بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ﴾ ، وما كان ثمة بيت ولا ساكن ولا زرع ولا ماء بذلك المكـان
، وتخيل حجم التضحية إذ تتخيل الصحراء وقد أظلم المساء وقد نفد الزاد واستنزف الماء ولا أنيس
، إن الوحشة كفيلة لقتل تلك المرأة ووليدها ؛ فما بالك بخطر قطاع الطرق ، وما بالك بعقارب الصحراء وثعابينها
، فما بالك بنفاد الزاد ؟ إنها تضحية لا تحد ولا يقدر قدرها ، ثم جاءت التضحية التي توّجت مسلسل التضحيات
، والتي من أجلها كان أضحانا ، وعلى سنتها قمنا نضحي بالأضاحي في سبيل الله
... ذلك أن هذا النبي الكريم جاءه ولد هو إسماعيل على حين يأس من الذرية ،
وعلى كبر وشيخوخة فكان التعلق به عظيماً ؛ وهذه خبرة إنسانية بديهية معروفة ،
فلما بلغ الولد مبلغ النفع والاعتماد عليه ، وصار التعلق به أشد ، لأن الحاجة إليه أشد
، لما كان ذلك كذلك حصل ما لا يخطر في بالي ولا بالك ، واستمع واقرأ واستمتع :
﴿ فبشرناه بغلام حليم . فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا تر
ى . قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين . فلما أسلما وتله للجبين
. وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين إن هذا لهو البلاء المبين
. وفديناه بذبح عظيم . وتركنا عليه في الآخرين . سلام على إبراهيم . كذلك نجزي المحسنين
. إنه من عبادنا المؤمنين ﴾ [ الصافات ] .